جنسان، حياة واحدة

 

إن الرجل بصفته رجلًا يتم الإلحاح عليه لممارسة التحرر، غير أن المرأة بصفتها امرأة لا تجني من وراء ذلك سوى العار: كان على ستيفاني ستانكوفيتش أن تكافح مرتين مع الأدوار الجندرية. تم تصنيفها كذكر عندما وُلِدت في صربيا، وعاشت حياة مزدوجة كامرأة في النمسا. وهي بعد مرور اثني عشر عامًا على إشهارها لميولها الجنسية علانيةً تريد تشجيع الآخرين.

بقلم ستيفاني ستانكوفيتش، الصور: زوي أوبراتكو

 

.
Foto: Zoe Opratko

كنتُ طفلة خجولة ومتحفظة وانطوائية. لطالما قيل لي: "ستيفي، كن رجلًا، احصل على ما هو حق لك! كن عدوانيًا، صاخبًا، اظهر رجولتك، هذا هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا في الحياة!" ربما كنتُ بعمر الثامنة عندما ذهبتُ في إجازة مع والدايَّ. تمامًا مثل الرجال والأولاد الآخرين، كان ينبغي أن أخلع قميصي ببساطة، لكن بدا الأمر لي خطأً للغاية. الإجابة عن السؤال عن سبب اضطرار أمي إلى ارتداء حمالة صدر البكيني وعدم اضطراري لذلك لم تكن مفهومة بالنسبة لي. كل ما كنتُ أسمعه دائمًا هو: "أنت رجل وهي امرأة." كنتُ أجيب في عقلي: "لكنني لستُ رجلًا، أنا امرأة."

كان مَنْ حولي وعائلتي وأصدقائي يصابون بخيبة الأمل دائمًا عندما أخفق في فرض إرادتي. وظنوا أن ذلك ليس من شيم الرجال. لقد وُلِدتُ في صربيا. تم تصنيفي كذكر بناءً على أعضائي التناسلية، وعلى هذا الأساس تمت تربيتي. كذكر وطني، أرثوذكسي، قومي للغاية وسامٍ، لأن هذا ما بدت عليه صربيا بعد الحرب اليوغوسلافية. قبل المدرسة، لم أكن أهتم إذا لم أرتق لتلك الصور النمطية التي توقعتها عائلتي مني. لكن لاحقًا شعر الأطفال والمعلمون في مدرستي أنني كنتُ غريبة، وهكذا حدث الارتباك.

.
Foto: Zoe Opratko

عشتُ حياة مزدوجة

خلال فترة الحرب والتضخم، لم تكن هناك سوى قناتين تلفزيونيتين في صربيا، وسمح لي والدايَّ بمشاهدة القنوات التلفزيونية الألمانية والرسوم المتحركة منذ الصغر. وهكذا تعلمتُ اللغة الألمانية. وذات يوم، عن طريق الصدفة، صادفتُ برنامجًا تلفزيونيًا مع أرابيلا كيسباور، حيث شارك الأشخاص المتحولون جنسيًا قصة حياتهم – وفجأة أصبح كل شيء مفهومًا. لم أكن وحدي، فهناك الكثير من الناس يشعرون بنفس الطريقة التي أشعر بها! بدأتُ التخطيط لمستقبلي منذ أن كنتُ طفلة، وبحثتُ عن جميع المعلومات ذات الصلة على الإنترنت. اكتشفتُ أن النمسا لديها نظام رعاية صحية جيد للغاية. وعلى الرغم من أنه لم يكن مثاليًا للأشخاص المتحولين جنسيًا، فقد كان أكثر تقدمًا من نظيره في صربيا. كانت عملية تغيير الجنس في صربيا شبه مستحيلة: لم تكن هناك موارد أو مساعدة طبية أو دعم علاجي – ناهيك عن القبول الاجتماعي أو الأمان.

وصلتُ إلى فيينا كشخص بالغ في أكتوبر 2010 لأنني أردتُ الدراسة هنا. وتمكنتُ هنا من البدء من جديد بصفتي ستيفي. كنتُ لا أزال الابن البار لوالدايَّ، لذا فقد دعماني في مرادي. كان الأمر مثاليًا! لم يكن أحد يعرفني في فيينا من قبل، ولم يستطع أحد أن يخبرني أن شيئًا ما لا يناسبني، أو أنني قد تغيرت، أو أن يستخدم اسم ولادتي عن طريق الخطأ. لقد عشتُ حياة مزدوجة: في فيينا كنتُ ستيفي المرأة، وفي المنزل عبر سكايب مع والدايَّ، كنتُ الابن الذي اعتقدا أنهما يعرفانه. سارت الأمور على ما يرام لفترة من الوقت، ولكن بعد ذلك دخلت الهرمونات إلى المعادلة، وأصبحت التغيرات في جسدي أكثر وضوحًا. لم يكن الوقت الذي أعقب إشهاري لميولي الجنسية الحقيقية علانيةً سهلًا على كل الأطراف. لا أعتقد أن أي والد يسعد حقًا بمعرفة هوية طفله المثلية. أضف إلى ذلك خلفيتي البلقانية. أبي لا يزال لا يتقبلني حتى اليوم. كانت والدتي في البداية تخشى فقط الطريقة التي سأعيش بها، وما إذا كانت هناك أي فرصة لي لأعيش "حياة طبيعية". لكن أمي رافقتني ودعمتني في كل جزء من الطريق للوصول إلى ذاتي الحقيقية.

 

ما الجنس سوى طيف

لا أعرف مدى إدراك الغرباء بأنني قد عشتُ حياتي من منظور الجنسين. كانت توجد بين القطبين "الرجل" و"المرأة" أيضًا المرحلة المخنثة، حيث كان يُنظر إليَّ على أنني بلا جنس – وكل ذلك في بلدين مختلفين تمامًا. كنتُ محظوظة (أو سيئة الحظ) في صربيا والنمسا لأن لديَّ الكثير من التجارب التي جعلتني أفهم سبب كوني امرأة. كنتُ مبدعة ولطيفة وحساسة ورقيقة.

وأنا اليوم، في سن الثلاثين، لا أستطيع أن أصف بالضبط ما الذي يجعلني امرأة. أنا لستُ رجلًا ولا امرأة، ومع ذلك فأنا كلاهما في نفس الوقت – هذه الجملة هي أفضل وصف لي في الوقت الحالي. بالنسبة لي، يُعتبر الجنس والذكورة والأنوثة بمثابة طيف واسع يتحرك على مقياس من واحد إلى عشرة، حيث يشير الرقم واحد إلى "ذكر" والرقم عشرة إلى "أنثى". في بعض الأيام أكون رقم سبعة، وفي أيام أخرى أكون رقم ثلاثة. هكذا أرى الجنس، أن له أوجهًا عديدة. وهي تتغير باستمرار. أستمر في اكتشاف أشياء جديدة أجدها جذابة. ولأنني فقط وجدتُ شيئًا جذابًا اليوم فهذا لا يعني أنه المعيار للغد. يبدو كل شيء بسيطًا جدًا بالنسبة لي، ومع ذلك يشعر الكثير من الناس بالارتباك عندما يتعلق الأمر بالجنس والميول الجنسية. لماذا؟

إنه المجتمع، وتربيتنا هي التي تعلِّم الأجيال الشابة كيف تتصرف. يدعي معظم الناس أنهم لا يهتمون بما يعتقده الآخرون عنهم، لكنني لا أوافقهم الرأي. نريد جميعًا أن نكون محبوبين، وأن نترك انطباعًا جيدًا، وأن يتذكرنا الآخرون جيدًا. ولهذا نشعر بالعار عندما يتعلق الأمر بميولنا الجنسية. هذا الأمر هو بشكل عام موضوع مستهجن اجتماعيًا، حتى لو شذ أحد قليلًا عن قاعدة المغايرة الجنسية. أنا أيضًا شعرتُ بالعار. إن إشهاري لميولي الجنسية الحقيقية علانيةً كامرأة عابرة في مجتمع كهذا قبل اثني عشر عامًا كان أمرًا مهينًا للغاية. لقد تم الاستهزاء بي والتهكم عليَّ كأنني شخصية هزلية. لذلك أنت بحاجة إلى قدرة قوية على إثبات الوجود وكثير من الثقة بالنفس لهذه الخطوة.

.
Foto: Zoe Opratko

من الممكن التحرر كرجل – ولكن ليس كامرأة

لقد تربيتُ على أنني رجل. كانت أشياء مثل الخروج بثقة وأنت عاري الصدر أو الاعتراف صراحةً بأن لديك الكثير من التجارب الجنسية جزءًا من الحياة اليومية. هذه هي الأشياء التي يحب "الرجل" التباهي بها وتلقي التقدير عليها، سواء كان ذلك من رجال أو من نساء آخرين. أمارس اليوم هذه القواعد التي فُرضت عليَّ أثناء نشأتي – لكن بصفتي امرأة. لكن هذا أمر غير مستحسن. كثيرًا ما أسمع أن إظهار الكثير من الجسد أمر غير مناسب ورخيص. بل ومن من ناحية أخرى صرتُ أنا أيضًا مستهدفة لأن أسلوب ملابسي "مُغرٍ للغاية". هذا في حد ذاته مشكلة كبيرة بالفعل، وبصفة خاصة لأن هذه الأشياء ببساطة ليست صحيحة. فأنا أرى الموضة والملابس كأداة للتعبير عن نفسي أمام العالم الخارجي. مهما كان النقد يبدو دقيقًا، فحقيقة أنني عابرة جنسيًا ترسِّخ كل شيء مرة أخرى. لماذا لا يحق لي أن أشعر بالراحة تجاه جسدي، وأن تنبعث مني الثقة والقوة والجمال؟

هل كل شيء على ما يرام طالما كنتُ متاحة؟

دعونا نعكس الأدوار: كم عدد النساء اللواتي حصلن على التقدير بسبب التجارب الجنسية؟ لا يحصلن على شيء سوى العار! ينبغي أن تحافظ المرأة على صورة نقية، ولا يجب أن تكون على قدم المساواة مع الرجل. لا بد وأن تُعَاقَب على محاولتها فعل ذلك وأن تصبِح مدعاةً للسخرية ويجب إدانتها. يجب أن تكون المرأة مرغوبًا فيها أو متاحة، لكنها تتحرك على جليد رقيق للغاية. ينتظر المجتمع اللحظة المناسبة ليصرخ بصوت عالٍ وراءها وهي تسير في الشارع قائلًا: "عارُ عليكِ!" ذات مرة في حفل عيد ميلاد أحد الأصدقاء، أخرجتُ كل الأسلحة: الكعب العالي، والفستان القصير، والشعر الطويل المتموج، والماكياج الجميل. لم أستطع المشي خمس خطوات في الأماكن العامة دون أن يخبرني الرجال أنني امرأة جميلة ومثيرة وفتاة الأحلام. لكن بمجرد أن رفضتهم، أصبحتُ العكس في ثانية. صرتُ رجلًا قبيحًا ومُتزمِتًا – تكسَّر الجليد الرقيق تحت قدمي.

لقد كنتُ ناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي لمجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية ومغيِّري الهوية الجنسية (LGBTQIA+) لمدة ست سنوات، وكنتُ استخدم منصاتي للتثقيف. لقد تعلمتُ الكثير منذ إشهاري لميولي الجنسية الحقيقية علانيةً. تعلمتُ أن أساند نفسي بدون الشعور بالعار، أن أعرف قيمة نفسي، وما أحتاجه من أجل سعادتي، لأعيش بحرية، وأن أتولى زمام حياتي بدون أعذار. ربما أنا أعيش فقاعة صنعتها لنفسي، لكنني حرة. ولن أدع ذلك يُسلب مني أبدًا. لا توجد صورة يجب أن أحافظ عليها. وجودي سيذهل الكثيرين وقد يصدم الآخرين. لكن يرى كلا الجانبين أنني حقيقية، ولا أشعر بالعار من إظهار حقيقة ذاتي – وهذا هو ما يجعل حياتي مميَّزة للغاية. ●

 

 

 

 

تبلغ ستيفاني ستانكوفيتش من العمر 30 عامًا، وهي من مدينة بوزاريفاك (صربيا)، وتعيش وتعمل في فيينا كخبيرة تجميل وناشطة.

 

Anmelden & Mitreden

4 + 3 =
Bitte löse die Rechnung